الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{الله الذي يُرْسلُ الرياح فَتُثيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ} متصلًا تارة. {فى السماء} في سمتها. {كَيْفَ يَشَاءُ} سائرًا أو واقفًا مطبقًا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك. {وَيَجْعَلُهُ كسَفًا} قطعًا تارة أخرى، وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به. {فَتَرَى الودق} المطر. {يَخْرُجُ منْ خلاَله} في التارتين. {فَإذَا أَصَابَ به مَن يَشَاءُ منْ عبَاده} يعني بلادهم وأراضيهم. {إذَا هُمْ يَسْتَبْشرُونَ} لمجيء الخصب.{وَإن كَانُوا من قَبْل أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهمْ} المطر. {من قَبْله} تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم، وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإرسال. {لَمُبْلسينَ} لآيسين.{فانظر إلى أَثَر رَحْمَتَ الله} أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص. {كَيْفَ يُحْيي الأرض بَعْدَ مَوْتهَا} وقرىء بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة. {إنَّ ذلك} يعني إن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها. {لَمُحْيي الْمَوْتَى} لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية، كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية، هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة. {وَهُوَ على كُلّ شيء قَديرٌ} لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء.{وَلَئنْ أَرْسَلْنَا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم، وقيل السحاب لأنه إذا كان {مُصْفَرًّا} لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله: {لَّظَلُّوا من بَعْده يَكْفُرُونَ} جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال. وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته، وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زرعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه.{فَإنَّكَ لاَ تُسْمعُ الموتى} وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم.{وَلاَ تُسْمعُ الصم الدعاء إذَا وَلَّوْا مُدْبرينَ} قيد الحكم به ليكون أشد استحالة، فإن الأصم المقبل وإن لم يسمع الكلام يفطن منه بواسطة الحركات شيئًا، وقرأ ابن كثير بالياء مفتوحة ورفع {الصم}.{وَمَا أَنتَ بهَاد العمى عَن ضلالتهم} سماهم عميًا لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمى قلوبهم، وقرأ حمزة وحده {تهدي العمي}. {إنْ تُسْمع إلاَّ مَن يُؤْمن بآيَاتنَا} فإن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ وتدبر المعنى، ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإيمان. {فَهُم مُّسْلمُونَ} لما تأمرهم به.{الله الذي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله: {خَلَقَ الإنسان ضَعيفًا} أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة. {ثُمَّ جَعَلَ من بَعْد ضَعْفٍ قُوَّةً} وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح. {ثُمَّ جَعَلَ من بَعْد قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} إذا أخذ منكم السن، وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما: قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم {من ضعف} فأقرأني {من ضُعف} وهما لغتان كالفقر والفُقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم. {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة. {وَهُوَ العليم القدير} فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة.{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، أو لأنها تقع بغتة وصارت علمًا بها بالغلبة كالكوكب للزهرة. {يُقْسمُ المجرمون مَا لَبثُوا} في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم، وفي الحديث «ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون» وهو محتمل الساعات والأيام والأعوام. {غَيْرَ سَاعَةٍ} استقلوا مدة لبثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسيانًا. {كذلك} مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق. {كَانُوا يُؤْفَكُونَ} يصرفون في الدنيا.{وَقَالَ الذين أُوتُوا العلم والإيمان} من الملائكة والإنسَ. {لَقَدْ لَبثْتُمْ في كتاب الله} في علمه أو قضائه، أو ما كتبه لكم أي أوجبه أو اللوح أو القرآن وهو قوله: {وَمن وَرَائهمْ بَرْزَخٌ}. {إلى يَوْم البعث} ردوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه. {فهذا يَوْمُ البعث} الذي أنكرتموه. {ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أنه حق لتفريطكم في النظر، والفاء لجواب شرط محذوف تقديره: إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه، أي فقد تبين بطلان إنكاركم.{فَيَوْمَئذٍ لاَّ تنفَعُ الذين ظَلَمُوا مَعْذرَتُهُمْ} وقرأ الكوفيون بالياء لأن المعذرة بمعنى العذر، أو لأن تأنيثها غير حقيقي وقد فصل بينهما. {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} لا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم أي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته.{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هذا القرءان من كُلّ مَثَلٍ} ولقد وصفناهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة كالأمثال، مثل صفة المبعوثين يوم القيامة فيما يقولون وما يقال لهم وما لا يكون من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب، أو بينا لهم من كل مثل ينبههم على التوحيد والبعث وصدق الرسول. {وَلَئن جئْتَهُمْ بئَايَةٍ} من آيات القرآن. {لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُوا} من فرط عنادهم وقساوة قلوبهم. {إنْ أَنتُمْ} يعنون الرسول والمؤمنين. {إلاَّ مُبْطلُونَ} مزورون.{كذلك} مثل ذلك الطبع. {يَطْبَعُ الله على قُلُوب الذين لاَ يَعْلَمُونَ} لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق.{فاصبر} على أذاهم. {إنَّ وَعْدَ الله} بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله. {حَقّ} لابد من إنجازه. {وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ} ولا يحملنك على الخفة والقلق. {الذين لاَ يُوقنُونَ} بتكذيبهم وإيذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك. وعن يعقوب بتخفيف النون، وقرىء {ولا يستحقنك} أي لا يزيغنك فيكونوا أحق بك مع المؤمنين. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيع في يومه وليلته». اهـ.
|